عبدالرحمن الصلاحي يكتب: مأرب تحت المجهر
ترددت كثيراً قبل الكتابة، خشية أن تساء فهم الكلمة، أو تُوظّف الحقائق في غير سياقها الوطني، ولكن ما لم يعد يحتمل الصمت هو ذلك المشهد المتكرر الذي أصبحت تحياه أرض مأرب؛ من الضربات الأمريكية المتتابعة التي نُفّذت بواسطة طائرات بدون طيار تحت شعار مكافحة الإرهاب، فرضت واجباً وطنياً لا يمكن تجاهله.
فقد أثارت هذه العمليات قلقاً بالغاً لدى كل مأربي ويمني، لما تحمله من تداعيات على أمن المحافظة وإستقرارها وعلى حاضرها الاقتصادي.
فالمنطقة التي أستهدفتها الضربات رغم صغر مساحتها الجغرافية إلا أنها تمثل شرياناً حيوياً يعيش فيه ملايين المدنيين والعسكريين وتضم منشآت إستراتيجية كبرى، من أهمها شركة صافر والمحطة الغازية كمشاريع قومية يعتمد عليها الاقتصاد اليمني برمته.
إن مأرب – بتاريخها ومكانتها وعمقها الوطني – وما يجري اليوم من ضربات متتابعة لا يعكس حقيقة المحافظة، بقدر ما يكشف وجود خلل في إدارة المشهد الأمني والسياسي والعسكري.
وفي آليات التعاطي مع التحديات الراهنة كما يُظهر الحاجة الملحّة إلى مراجعة جادة للسياسات القائمة، وإعادة ضبط البوصلة وفق إعتبارات وطنية خالصة تتجاوز الحسابات الجزئية والولاءات الحزبية.
وفي ظل هذه الحقائق، تصبح أي عملية غير محسوبة العواقب أشبه بتهديد مباشر لأمن الطاقة الوطني، ومغامرة قد تُفقد البلاد ما تبقى من بنية إقتصادية صامدة.
لقد أثبتت التجارب أن تداخل الحزبية مع المسؤولية الوطنية يخلق فراغات أمنية خطيرة تستغلها التنظيمات المتطرفة، وتدفع ثمنها المحافظة والدولة على حدّ سواء. ومن ثمّ، فإن حماية مأرب وإستعادة صدقيتها كآخر معاقل الدولة يتطلبان فصلاً واضحاً بين العمل السياسي المشروع، وبين إدارة الملفات الأمنية والاقتصادية التي لا تحتمل أي إنحياز أو إزدواجية.
إن مستقبل مأرب وما تبقى من مديرياتها، ومستقبل ملايين اليمنيين الذين يعتمدون على مواردها، يفرض مسؤولية مضاعفة على قيادة المحافظة. فالتاريخ لن يرحم، والواقع لن ينتظر، والدولة لا تُبنى بالانحيازات، بل بالإدارة الرشيدة والرؤية الاستراتيجية والإخلاص للوطن.
لكن إستمرار تجاهل الثغرات القائمة، أو تغليب الحزبية على المصلحة الوطنية، قد يفتح أبواباً لا يمكن إغلاقها ،ولذلك فإن مسؤولية حماية المحافظة وإقتصاد البلاد تبدأ بإعادة الاعتبار للدولة، وتثبيت سيادة القانون، والتعامل بحزم مع كل ما يعطّل دور مأرب باعتبارها آخر حصون الشرعية والأمل المتبقي لليمنيين جميعاً.
المهندس/ عبد الرحمن عبدالله الصلاحي
مدير وحدة الدراسات العلمية والبيئية والاستثمار
مركز البحر الأحمر للدراسات السياسية والأمنية - الجمهورية اليمنية













