الصفوة
الإثنين 2 يونيو 2025 مـ 12:36 مـ 5 ذو الحجة 1446 هـ
موقع الصفوة
الدكتور مجدي الشيمي: المنظومة العالمية بين الماضي والحاضر والمستقبل رصد عمليات ردم مخالفة على نهر النيل بالمراغة.. والمحافظة تتجاهل شكاوي المواطنين من أرض الحكمة إلى آفاق النهضة ندوة فكرية في السفارة اليمنية بالقاهرة تبحث دور القيم الدينية في بناء الأوطان.. «صور» عبدالرحمن الصلاحي يكتب: مصر قلعة العروبة وصانعة التاريخ الحج بين الروح والجمال.. منصة Basmoca للفن تطلق ثيمًا بصريًا روحانيًا حول مشهد الحج الإنساني الفريد علوان: 4.5 ملايين طن إنتاج مصر المستهدف من الهيدروجين الأخضر سنويًا بحلول 2030 وزير الصحة يعلن اعتماد قرار دولي تاريخي لدعم أصحاب الأمراض النادرة المصرية الإماراتية تتعاقد مع عبد الحليم علي وحبيب لدعم دورها في اكتشاف المواهب الرياضية محمود علوان: إدراك القيادة المصرية لأهمية التحول نحو الاقتصاد الأخضر ليس فقط كضرورة بيئية بل كفرصة اقتصادية وتنموية هائلة بالتعاون مع جامعة كوليدج لندن.. مؤسسة طابة تطلق كتابًا بحثيًّا جديدًا حول النظام الاجتماعي الإسلامي ماراثون اليوجا للاحتفال باليوم العالمي الحادي عشر لليوجا 2025 بمشاركة 150 خبيرًا.. نادر نور الدين يناقش أثر الاستثمارات الأجنبية على مياه النيل في مؤتمر الدراسات الإفريقية

الدكتور مجدي الشيمي: المنظومة العالمية بين الماضي والحاضر والمستقبل

الدكتور مجدي الشيمي الخبير الاقتصادي
الدكتور مجدي الشيمي الخبير الاقتصادي

يمثل عام 2025 مرحلة فاصلة بين منظومة سياسية واقتصادية واجتماعية عالمية حالية ومنظومة مرتقبة تتشكل، وسوف نتولى توضيح التطور التاريخي باختصار لتشكل المنظومة العالمية الحالية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والتغيرات التي يشهدها العالم الحالي والتي تبلور مظاهر بدء نهاية تلك المنظومة وبذور نشأة وتشكل منظومة بديلة، مع إيضاح رؤيتنا حول الدعائم الأساسية لهذه المنظومة المأمولة.


أولاً: المنظومة الحالية
تقلدت الولايات المتحدة الأمريكية مكانة الريادة العالمية منذ عام 1944 في أعقاب الحرب العالمية الثانية مستغلة الحالة التي كانت عليها معظم الدول وعلى رأسها دول أوروبا والتي أنهكتها الحرب وقضت على معظم البنى التحتية لها، وتحديداً منذ إقرار اتفاقية بريتون وودز والاتفاقيات المكملة لها، واعتلاء الدولار قمة هرم المعاملات النقدية الدولية وإقراره كعملة احتياط عالمية وإزاحة الجنيه الاسترليني.


وتتمثل المشكلة الحقيقة في الواقع الاقتصادي الحالي - والتي كشفت عنها القرارات الأمريكية الأخيرة - في انهيار تلك المنظومة العالمية والتي استقرت في العالم لما يزيد عن سبعين عاما، وذلك من عدة جوانب أهمها:
(1) انهيار المنظومة الاقتصادية والنقدية الدولية
بتخلي الولايات المتحدة عن نموذج الاقتصاد المالي الذى تأسس فيها منذ اتفاقية بريتون وودز عام 1944، ومحاولة العودة إلى نموذج الاقتصاد الحقيقي القائم على الانتاج في مختلف قطاعاته، تتخلى أمريكا في ذات الوقت عن الدور الريادي لها في ادارة المنظومة النقدية الدولية، بتقليص دور الدولار كعملة احتياط عالمية واحلال بدائل أخرى له ومن أهمها الذهب والمعادن النفيسة، ولا شك أن هذا التحول يستلزم فترة انتقالية يشوبها عدم الاستقرار النقدي الدولي حتي تستقر دعائم النظام البديل.


(2) انهيار الاستقرار الداخلي للدول الكبرى
رتب نموذج الاقتصادي المالي الذي اتبعته الولايات المتحدة نتائج غاية في الخطورة على كافة الاقتصادات العالمية نتيجة لارتباطها جميعا بعملة الولايات المتحدة (الدولار) وما يمثله من النسبة الغالبة في احتياطات البنوك المركزية لغالبية الدول، مما يكون للسياسات النقدية الأمريكية مثل تغيرات سعر الفائدة ونسب الاحتياطي التي يقررها الفيدرالي الأمريكي، عظيم الأثر على السياسات النقدية فيها، التي تعد أحد أعمدة السياسات الاقتصادية الثلاث (التجارية والمالية والنقدية).
ومن ثم فإن سيل القرارات الأمريكية خلال هذه الفترة كان لها عظيم الأثر على عدم استقرار سوق العملات والأوراق المالية، قد انعكس بصورة مباشرة على الاستقرار الاقتصادي الداخلي لمعظم دول العالم.
(3) تفاقم مشكلات الركود التضخمي وعدم جدوى السياسات العلاجية التقليدية
عندما بدأت بذور الرأسمالية عرف الاقتصاد ما يسمى بالدورة الاقتصادية أو التجارية والتي تعني التقلبات التي يشهدها الاقتصاد من حالتي التضخم والركود أو البطالة، ولكن مع التطور وظهور حجم الإنتاج الكبير وتوحش بعض المؤسسات والشركات عابرة القارات وظهور الاحتكارات والتغيرات الشديدة في تكاليف الإنتاج والرغبة المتوحشة في جني الأرباح واحتكار الابتكارات التكنولوجية، إلى تغير واقع الدورات الاقتصادية بوجود ظواهر مختلطة لم تعد تصلح طرق العلاج الكلاسيكية من مواجهتها وهي ظاهرة الركود التضخمي.
فعلى سبيل المثال .. من أهم وأسهل وسائل علاج مشكلة التضخم تقليديا رفع سعر الفائدة فيقبل الأفراد على الادخار (التخلي عن السيولة) مما يقلل من الكتلة النقدية في أيدي الأفراد والمؤسسات فيقل الطلب وتنخفض الأسعار ومن ثم التحكم في التضخم .
هذه الوسيلة التقليدية لم تعد صالحة لمواجهة ظاهرة الركود التضخمي، فرغم أنها تحاصر التضخم وتحد منه إلا أنها في ذات الوقت تؤدي إلى مزيداً من الركود والبطالة وهو عكس المطلوب لعلاج تلك المشكلة.


(4) انهيار استقرار العلاقات والثقة بين الدول الكبرى
بغرض ضغط الانفاق العام وعلاج عجز الميزانية الأمريكية ومشكلات الميزان التجاري، تبنت الولايات المتحدة سياسة انكماشية تبلورت في سيل القرارات التي أصدرها ويصدرها الرئيس الامريكي (دونالد ترامب) والتي رتبت تقليص الدور الفاعل للولايات المتحدة عالمياً.
حيث تخلت أمريكا عن المشاركة في المنظمات الدولية مثل: منظمة التجارة العالمية - اتفاقيات البيئة والمناخ - منظمة حقوق الإنسان - منظمة غوث اللاجئين وغيرها ...، وكذلك تقليص دور منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ودور القانون الدولي، وتقليص الدعم الممنوح من الولايات المتحدة للعديد من الدول والمنظمات والأحلاف الدولية، بل وداخلياً تم الغاء وزارة التعليم وتخفيض المعونات الممنوحة للجامعات الأمريكية ومراكز البحث العلمي.
على أن يتم التركيز على السياسات التي من شأنها إضعاف الاقتصاد في كل دول العالم، مع الاهتمام بالمنظومة العسكرية الهجومية والدفاعية وضخ المليارات فيها لفرض الهيمنة الأمريكية بالقوة العسكرية وليس الاقتصادية.
ثانياً : الرؤية حول المنظومة البديلة المستهدفة
أدت السياسة الانكماشية الحالية للولايات المتحدة وآثارها غلى المنظومة العالمية إلى الإسراع ببدء مرحلة جديدة (لم تتشكل صورتها النهائية بعد) لبناء نموذج بديل للعلاقات الدولية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في ضوء ما انتهت إليه المنظومة الحالية في القرن الواحد والعشرين من سيادة مبادئ العولمة ودعم حرية وسيولة سلاسل التوريد وتحقيق الرفاهة والقضاء على الفقر، وضرورة العمل على إقرار السلام ومبادئ التعايش السلمي بين الشعوب، وعلى أن يضمن النموذج المستهدف إلى وضع سياسات إنهاء الصراعات الإقليمية ومواجهة التحديات العالمية بصورة جماعية مشتركة (مثل تحديات البيئة والمناخ والأوبئة (.
وهذه المرحلة تستلزم تغيرات جذرية في منظومة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكافة المنظمات الدولية وإجراء التعديلات اللازمة في قواعد القانون الدولي بما يستوعب الواقع الحالي واختلاف الأنظمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السائدة، ويبني على مبادئ الاحترام المتبادل بين الشعوب والأمم والعقائد (الأديان) والحرية بالمفهوم الصحيح وليس الحرية الانتقائية التي تحمل في طياتها العنصرية السافرة، وعلى أن تحترم أيديولوجيات كل دولة وثقافتها وأعرافها وحضارتها.
ولا شك أن تلك المرحلة الانتقالية (بين نظام ساد منذ ما يزيد عن سبعين عاما ) إلى أن يولد النموذج العالمي الأمثل الجديد والمستهدف، تحمل في طياتها مخاضاً عسيراً مرتبطاً بعملية الولادة ذاتها، كنتيجة لما يعانيه الاقتصاد العالمي ومشكلات نموذج العلاقات الدولية السائد خلال هذه المرحلة.

موضوعات متعلقة