السبت 27 أبريل 2024 مـ 04:23 مـ 18 شوال 1445 هـ
موقع الصفوة
رئيس التحرير محمد رجبالمشرف العام رحاب غزالة

عبد الحليم قنديل يكتب بايدن في المتاهة

الكاتب الصحفي عبد الحليم قنديل
الكاتب الصحفي عبد الحليم قنديل

"بايدن" فى المتاهة
عبدالحليم قنديل

قد لا يصح لأحد أن يأخذ كلام الرئيس الأمريكى " جو بايدن" على محمل الجد الكامل ، فالرجل العجوز المتلعثم ، يبدو ضائعا فى متاهة ، تواقتت رئاسته المتعثرة مع تغيرات جوهرية فى الموازين الدولية ، وسبقتها عقود من إعادة توزيع مقاديرالاقتصاد والتكنولوجيا والسلاح ، كانت تنذر ـ ربما تؤكد ـ نهاية زمن الهيمنة الأمريكية الأحادية على مصائر الكون ، وتنتقل بجريان الحوادث إلى عالم متعدد الأقطاب والاختيارات ، وجاءت "حرب أوكرانيا" لتكشف ـ لا لتنشئ ـ التحولات العاصفة ، ثم انتقلت النيران إلى منطقتنا مع حرب طوفان الأقصى ، وفى الحربين معا ، بدا أن "بايدن" يحاول قيادة وصنع الحوادث ، لكنه تحول فى إطراد إلى أسير للحوادث ونهاياتها ، فهو يخسرالحربين ، وتتحول تصريحاته عنهما إلى باب الهذيان ، ويبدو الرجل كأنه "روبوت" بدائى قليل الذكاء ، لا تصدر عنه أصوات ، بل يصدرون منه وله أصوات مضطربة ، بغير إيقاع موزون ولا انسجام ألحان ، ولا تشير إلى اتجاه بذاته ، بقدر ما تعكس الحيرة الشاملة وفوضى التصرفات المتخبطة .
وفى الأيام الأخيرة مثلا ، صدرت عن "بايدن" تصريحات ناقدة بعنف ظاهر لحكومة "بنيامين نتنياهو" فى كيان الاحتلال ، كان الرجل يتحدث فى عيد "الحانوكا" اليهودى ، وأعاد كالعادة تأكيد "صهيونيته" تامة الأوصاف ، وكامل ولائه للجالية اليهودية "الصهيونية" فى أمريكا ، وإن لم ينس التعبير عن مخاوفه على "إسرائيل" ، التى وصفها كما قال بأنها "الدولة اليهودية المستقلة" ، وأعرب عن مخاوفه من سوء المصائر المتدافعة ، وقال بالنص إن "سلامة الشعب اليهودى على المحك" ، وأن دعم العالم يتقلص بسبب عشوائية القصف "الإسرائيلى" على "غزة" ، وهو ما أوحى لكثيرين بتغير وارد فى موقف "بايدن" ، وأن واشنطن قد تسعى لوقف إطلاق النار ، خصوصا أن "بايدن" تحدث علنا عن خلافاته مع "نتنياهو" ، ودعا الأخير إلى تغيير حكومته ، وضرورة العمل من أجل "حل الدولتين" ، برغم أن إدارة "بايدن" قبل التصريحات بساعات ، استخدمت حق النقض "الفيتو" لإسقاط قرار بوقف إطلاق النار فى مجلس الأمن ، صوتت لصالحه 13 دولة من مجموع 15 عضوا بمجلس الأمن ، ثم عادت الإدارة نفسها بعد التصريحات ، وصوتت ضد قرار مماثل فى الجمعية العامة للأمم المتحدة ، صوتت لصالحه 153 دولة ، بينما كان التصويت الأمريكى المعاكس معزولا فى أقلية الأقلية الدولية ، مع "إسرائيل" طبعا ، ومع دول "ميكروسكوبية" لا ترى على الخرائط بالعين المجردة ، وقد تكرر التصويت نفسه أو ما يشبهه فى الجمعية العامة ومجلس الأمن ، وبدا ظاهرا أن التأثير الأمريكى يتقلص ويتداعى فى إطراد ، وأن الدعم الدولى لواشنطن مع "تل أبيب" يتضاءل إلى حد التلاشى ، ليس فقط فى شوارع وميادين المدن والعواصم الغربية الأوروبية ، بل فى الميادين الأمريكية ذاتها ، وحتى من قطاعات "يهودية" رافضة لحرب الإبادة الجماعية للفلسطينيين فى "غزة" ، وفى حزب "بايدن" الديمقراطى نفسه ، تصاعدت أصوات المتعاطفين مع محنة وقضية فلسطين ، وبالذات فى الجناح التقدمى ، الذى يعبر عنه السياسى اليهودى المعروف السيناتور "بيرنى ساندرز" ، وبما زاد من حرج موقف "بايدن" ، ومن صعوبة تحقيق أهدافه الشخصية ، فهو يسعى لإعادة انتخابه للرئاسة فى أواخر العام المقبل الزاحف ، بينما استطلاعات الرأى كلها ، تظهر ربما استحالة فوز "بايدن" ، ولأسباب كثيرة ، بينها موقفه مما جرى ويجرى فى "غزة" من مجازر همجية وحشية ، واندماج إدارته العسكرى التام مع جيش الاحتلال ، ودعم الاحتلال بجسور السلاح الجوية التى لا تتوقف ، وبالمشاركة الفعلية والقيادة المباشرة فى حرب الإبادة ، بجنرالات التخطيط الحربى وبالقوات الخاصة ، وحشد الأساطيل وحاملات الطائرات والغواصات النووية ، وتزويد العدو بالقذائف والقنابل وبغير حدود ، إضافة لترديد "بايدن" الببغائى للأكاذيب الفجة من وراء "إسرائيل" ، وخرافات قطع "حماس" لرءوس الأطفال ، أو ادعاء وجود مركز قيادة "حماس" تحت مستشفى "الشفاء" تبريرا لتفجير مبانيه ، وإلى غيرها من مئات الترهات والفضائح ، وقد تصور "بايدن" أن بوسعه حسم الأمر سريعا ، لكنه علق فى المستنقع ، ويتلقى مع "إسرائيل" ذات الهزائم ، ربما لذلك نصحوه ، أن يغير نبرة صوته ، وأن يتحدث عن خلافات مع حكومة الاحتلال ، وعلى أمل أن يسترد بعضا من ماء الوجه الغائض ، وهو لن يستطيع بالتأكيد ، فوقف إطلاق النار إن حدث قريبا ، سوف يكون بإرادة المقاومة وبأدائها القتالى المذهل ، الذى يكبد العدو "الإسرائيلى" الأمريكى خسائر بشرية عسكرية مضاعفة ، ويجعل دخول جيش الاحتلال إلى "غزة" استدراجا إلى الجحيم ، فوق إخفاق العدو حتى اليوم فى استرداد أسير "إسرائيلى" أو "أمريكى" واحد حيا بالقوة المسلحة ، فالمقاومة هى التى تصنع الحدث ، و"بايدن" أسير لما تصنعه المقاومة ، ولخيبة "إسرائيل" الثقيلة فى الوقت ذاته ، فليس للرجل الباهت شخصية قيادية أو خيال يذكر ، وقد قضى عقود عمله السياسى كإبن خادم مطيع للمؤسسة الأمريكية الحاكمة ، والمؤسسة نفسها فى مأزق تاريخى غير مسبوق ، وبينها وبين كيان الاحتلال "اندماج استراتيجى" ، وكيان الاحتلال أكبر قاعدة عسكرية أمريكية فى العالم ، وخوف "بايدن" على مصير القاعدة "الإسرائيلية" مفهوم ، فهو يعبر عن خشية المؤسسة الأمريكية نفسها ، والتى عكس مخاوفها الجنرال "لويد أوستن" وزير البنتاجون ، الذى تخوف علنا من هزيمة" إسرائيل" استراتيجيا ، فما جرى منذ هجوم السابع من أكتوبر إلى الآن ، ليس فقط فشلا استخباريا وعسكريا لهذه "الإسرائيل" ، وتحطيما لأصنامها ، التى ذابت كتماثيل "العجوة" فى وهج الحقيقة الحارة ، وكان ما جرى فشلا وتحطيما للأصنام الأمريكية أيضا ، وقد صارت أجهزة مخابراتها وجيوشها الضخمة موضع سخرية وتندر فى العالمين ، فبرغم امتلاكها لأرقى أنواع التكنولوجيا ، ولجيوش تبلغ موازنتها السنوية نحو 900 مليار دولار ، ولمئات الآلاف بل والملايين العملاء السريين فى كل أرجاء الدنيا ، لم تعلم "أمريكا" بما كانت تخطط له "حماس" وأخواتها ، وبما نفذته صباح السابع من أكتوبر المزلزل ، برغم أن كل شئ كان مذاعا على الهواء تقريبا ، ولا علمت أمريكا ـ مع "إسرائيل" ـ شيئا عن الخرائط الحقيقية لأنفاق "غزة" ، ولا عن موارد القتال الشرس الأسطورى للمقاومين الفلسطينيين ، وهم الذين لا يملكون سوى أسلحة بسيطة من صنع أيديهم ، يذلون بها عدو الله وعدوهم ، ولا يضرهم من خذلهم ، ويمضون إلى نصر فارق فى سيرة حروب التحرير الفلسطينية ، فلن يعود شئ أبدا إلى ما كان عليه قبل "طوفان الأقصى" ، وصحيح أن هزائم أمريكا صارت حوادث روتينية من زمن ، ومن فيتنام إلى أفغانستان ، لكن هزائمها هذه المرة تأتى فى سياق مختلف ، فى غمار صحوة عالمية متحدية للطغيان الأمريكى ، وفى أجواء متذمرة لدى الحلفاء من الفشل الأمريكى ، فأوروبا التى تبعت أمريكا فى "حرب أوكرانيا" وفى "حرب غزة" ، تحس الآن أكثر ، أنها وقعت فى فخ لا نجاة منه ، وهو ما يفسر تفلت دول أوروبية متكاثرة من التزامها بالموقف الأمريكى المندمج بكيان الاحتلال ، وهو ما تعكسه التصريحات الاستقلالية نسبيا من أسبانيا إلى فرنسا وبلجيكا وغيرها ، واختلاف ميول التصويت فى مجلس الأمن وفى الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وحتى فى تملص دول فى "المعسكر الأنجلو ساكسونى" من تبعيتها المطلقة لموقف واشنطن ، على طريقة بيان "كندا" و"استراليا" و"نيوزيلندا" الأخير ، الذى طالب صراحة بوقف العدوان ، ووقف إطلاق النار فى "غزة" ، ليس بسبب صحوة أخلاقية مفاجئة ، بل بسبب إدراك ملموس متزايد ، مفاده أن واشنطن تقودهم إلى الهزيمة المؤكدة ، وأن واشنطن المندمجة مع كيان الاحتلال تذهب بمصالح دولهم إلى الهاوية ، وهو ما تحاول المؤسسة الأمريكية الحاكمة أن تلجمه ، وأن تضغط على "إسرائيل" لتقبل هزيمة لا مفر منها ، فلا حركة "حماس" سوف يجرى تقويضها ، ولا الأسرى و"الرهائن" سوف يعودون بغير اتفاق تفاوضى مع "حماس" نفسها ، يطلق به سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين فى سجون العدو ، بينما "نتنياهو" يواصل العناد لأسباب تخصه ، فهو يعرف أن نهايته السياسية حانت ، وأن قرار واشنطن بالتخلص منه صار وشيكا ، فحكومة "إسرائيل" فى واشنطن تعرف خطورة المأزق أكثر ، ويبدو "بايدن" فى سباق لاهث مع الزمن ، يريد أن ينجو بنفسه دونما عظيم أمل ، وأن يؤجل مواعيد سقوطه ، وأن يضحى برجلى حربه فى فلسطين وفى أوكرانيا ، ويراوغه الإحساس بأن سقوط "نتنياهو" قد ينفعه شخصيا ، وأن ذهاب "فولوديمير زيلينسكى" قد يغطى على الهزيمة فى أوكرانيا ، وكلاهما ـ نتنياهو وزيلينسكى ـ صارا فى وضع الذى يحارب طواحين الهواء ، فقد قضى الأمر وجفت الأقلام وطويت الصحف ، وصارت هزائم أمريكا شبه مكتملة عندنا وفى "أوكرانيا"