الصفوة
الخميس 18 ديسمبر 2025 مـ 06:29 صـ 27 جمادى آخر 1447 هـ
موقع الصفوة
إبراهيم مدكور يكتب: نيفرلاند.. رحلة الإبداع السياحي للعائلات إشادة رسمية بدور فالكون.. تكريم صبري نخنوخ في ختام ملتقى المستثمرين الأفرو-آسيوي تكريم المهندس مدحت بركات وقيادات الدولة خلال ختام ملتقى اتحاد المستثمرين الأفرو-آسيوي وحفل The Best in Business 2025 الاتحاد الاقتصادي لتحالف الأحزاب المصرية: أداء فعّال ورؤية عملية لدعم الاقتصاد الوطني عبدالرحمن الصلاحي يكتب: عسكرة الأزمات الإنسانية.. الهجرة غير الشرعية للأفارقة بوابة للهيمنة الإقليمية في اليمن «السرير».. أغلى عمل لفنانة في تاريخ المزادات بـ 54.7 مليون دولار علاء أحمد رئيسا للجنة الاتصال المؤسسي بالاتحاد المصري للفعاليات الرياضية مدحت بركات يكتب: دعوة مخلصة لحوار وطني هادئ مركزا الحوار والبحر الأحمر يناقشان الهجرة غير الشرعية وحلولها باليمن رئيس الوزراء يناقش عددا من الفرص الاستثمارية بمنطقة «المثلث الذهبي» مع القطاع الخاص وزير الإسكان يستقبل محافظ قنا لبحث ملفات العمل المشترك نيفرلاند تحتفل بصناع النجاح.. فريق متكامل يرفع اسم الوجهة الأبرز في الشرق الأوسط

لا تكذبي عبد الوهاب وعبد الحليم لكن نجاة تكسب

الكاتب الصحفي محمد شمروخ
الكاتب الصحفي محمد شمروخ

تتوارد لدى هذه الخواطر كلما سمعتها تشدو بها، فإذا بها ترسم لوحة عبقرية، لا بل تستدعى شخصيات من لحم ودم لتؤدى مشهداً تمثيليها متقنا تفرضه على شاشة الخيال.
ولهذا كلما سمعتها تغنيها اطرح هذا السؤال وليكن ما يكون:
"محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ونجاة الصغيرة.
هل من مقارنة بين الثلاثة؟!".
ربما كان طرح السؤال نوعا من العبث ولعل البعض يعتبره اجتراء، فعبد الوهاب حقق مكانة في عالم الموسيقى والغناء، لم يكد يلحق به غيره كما وكيفا، أما عبد الحليم، فلا يدانيه مطرب عربي في مكانته في جيله او فيما بعد جيله!.
ولكن لما المقارنة مع نجاة؟!
الأمر ليس فيه مقارنة بالمعنى الدقيق. ولكن يمكننى ان أزعم أن نحاة تفوقت على أستاذها الكبير موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وكذلك على زميل جيلها العندليب عبد الحليم حافظ، عندما غنت لا تكذبي.
لقد غنى الثلاثة الأغنية نفسها بنفس الكلمات لكامل الشناوي واللحن لمحمد عبد الوهاب.
ومع مكانة عبد الوهاب واقتداره، ومع تمكن عبد الحليم وعمق أدائه، إلا أن نجاة كانت الأعلى بين الثلاثة في هذه الأغنية!.
لقد كان هذا الإحساس بتفوق نجاة يؤرقني كمستمع وهابي النزعة كان ومازال وسيظل مغرماً بالوهابييات كلها بداية من "فيك عشرة كوتشينة" وحتى "دعاء الشرق".. أما عبد الحليم فقد كان الوكيل الحصري لشتى أشكال المشاعر والمتحدث الرسمي العاطفي!.
لكن مع كل هذا، كان أداء نجاة أكثر تعبيرا في تلك الأغنية التى قيل إنها كتبت فيها شخصيا، حيث كان الشناوي يهيم بها عشقا حتى الوله!.
لقد سمعناها بأصوات الثلاثة، وما زلنا نسمعهم يشدون "لا تكذبي".. فبربك خبرنى: من الأكثر تعبيرا وعمقها وتجسيدا لمعانى الأغنية وما كان من التجربة المريرة التى تتحدث عنها؟!
لقد كان أداء نجاة الصغيرة عبقريا في هذه الأغنية ولقد كان التحدى الأكبر لنجاة والذي أراها قد أتت به بمعجزة غنائية، هو أن الكلمات والموقف ومشاعر الصدمة المتدفقة في كلمات الأغنية، كانت تعبر أحاسيس عن رجل خانته حبيبته التى ضبطها متلبسة بالخيانة في موقف محدد وليس مجرد كلام عام عن الخيانة يصلح للجنسين يمكن أن يغنيه مطرب أو مطربة
لكننا مع تأكدنا أن الموقف يعبر عنه ذكر يتحدث جرحه من أنثى خانته، إلا أن أداء نجاة تفوق مع ان الأغنية رجالى وليست حريمي، بل هى تمقت الحريمي وتزدريه وتصور الحبيبة الغادرة كامرأة في أبشع صورة للمرأة عندما تخون.
وهذا لا لبس فيه في لغة خطاب الأغنية "عيناك في عينيه في شفتيه في قدميه ويداك ضارعتان ترتعشان من لهف عليه"
وهكذا فالحديث موجه من رجل مصدوم إلى امرأة خائنة، فالأولى ان تليق هذه الأغنية من مطرب!.
لكن عندما غنتها نجاة "وكان هذا قبل تصوير الأغنية ضمن أحداث فيلم "الشموع السوداء" وجدنا أنفسنا نعيش الموقف بكل مشاعر الصدمة من الخيانة ونلمس بأيدينا جروح الشاعر العاشق ونبكى معه وعليه، لكن مع صوت نجاة التى جسدت بصوتها العبقرى المشهد بكل ما فيه من مباغتة وطعنة غدر وذهول وانكسار وآلام وبكاء ويأس وتعذيب للنفس عقاباً على فرط ثقة العاشق في معشوقته الخائنة!.
لكن نجاة الأنثى، لها صوت يمتاز بأنه ذو مداخل سرية إلى الروح يسرى فيها كالدم في العروق، وسرعان ما تتسلل نبراتها إلى أعماقك وتتمكن من الدخول الناعم الدافئ بصوت ثلاثى الأبعاد!.
وبسبب نجاح الأغنية المبهر، إذا بمحمد عبد الوهاب الذي أضاف بألحانه البعد الرابع إلى صوت نجاة، يعيد غنائها بصوته وبعزفه هو نفسه على العود، لكن الأداء الوهابي لم يؤثر قيد أنملة على أن الأغنية قد صارت تاريخا وحاضرا ومستقبلا، نجاتية الهوى والهوية!.
وإذا بعد الحليم حافظ -هو كمان- فيما يبدو أنه قد تملكته الغيرة الفنية، يغنى "لا تكذبي" فكأنه رأى أنه أولى بها "وهو من هو في التعبير عن الانكسار والدليل "تخونوه".. لكنه لم ينافس نجاة التى أغضبها فعله هذا بلا مبرر، وكانت محقة في ذلك.
وحاولت مرارا تفسير التفوق النجاتى، ولعل اعتقاداً رسخ لدي بأنه بسبب ذيوع قصة قصيدة "لا تكذبي" بأن نجاة نفسها كانت هى بطلة الموقف الذي تولدت عنه القصيدة الشناوية، لكن ربما كانت هذه القصة ضربا من الخيال أو ذكرت على سبيل النميمة العاطفية او الثرثرة الشعورية أو ربما الدعاية الفنية، غير أنه على أي حال، فإن كامل الشناوى نفسه كان شخصية حادة المشاعر في مواقفه وكتاباته وقصائده، الوطنية والعاطفية في الحب والكراهية والسخرية، كذلك مشاعره دائما جياشة ومتدفقة في كل شيء، الضحك، المرارة، التدخين، الصداقة، الإنفاق، العشق، حتى أنه نظم قصيدة في فتاة جميلة تعمل بكافيتريا فهام بها عشقا ونظم قصيدته التى ختمها بقوله: "فافتر ناظرها ومبسمها
وقصيدتى مازلت أنظمها
وأظل طول العمر أنظمها!".
مع أننا على ثقة أن كامل الشناوى لم ير، أو حتى أهتم ثانية بأن يرى، هذه الفتاة المجهولة ربما مع مغادرته الكافيتريا بعد دفع الحساب!.
لكن مثل هذه المواقف قد أخرجت لنا أرق القصائد التى كتبها الشناوى ومنها عدة قصائد تحولت إلى أغنيات وطنية وعاطفية لأم كلثوم وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ، لكن ظلت "لا تكذبي" هى درة التاج بصوت نحاة الصغيرة تثبت في كل مرة تذاع فيها الأغنية أنها فاقت الجميع بمداخل صوتها السرية والتي مكنت لها أن تحفر مجراها المتدفق بين عمالقة الموسيقى والغناء في العصر الذهبي للفن!.

موضوعات متعلقة