الأحد 5 مايو 2024 مـ 09:42 صـ 26 شوال 1445 هـ
موقع الصفوة
رئيس التحرير محمد رجبالمشرف العام رحاب غزالة

محمد شمروخ يكتب كيسنجر ونجوي فؤاد كيف تحطم قلب الوزير تحت أقدام الراقصة

الكاتب الصحفي محمد شمروخ
الكاتب الصحفي محمد شمروخ

أخيراً مات هنرى كيسنجر ثعلب السياسة الخارجية الأمريكية، أشهر وأقوى وأخبث سياسي أمريكي، ولم يدركه أجله إلا بعد أن تجاوز المائة بسبعة شهور ويومين.
ونحن كعرب ونحن كمصريين، شغلنا في عقل كيسنجر مساحة كبرى، في السياسة وفي الهوى.
فبعد أن تولى كيسنجر حقيبة الخارجية الأمريكية على عهد الرئيس الأمريكي نيكسون، لم يكد يمض أسبوعان من تعيينه، حتى اندلعت حرب أكتوبر سنة ١٩٧٣ وبعدها حل علينا السيد هنري ببركاته الملعونة، ولم يكن يخفى حينئذ انحيازه الكامل لإسرائيل، حتى أنه لعب كل أدواره لصالحها سواء في الحرب أو في السلام أو فيما بينهما!.
وقد تعددت رحلات هنرى كيسنجر المكوكية بين العواصم الكبرى، لاسيما موسكو والقاهرة ودمشق والرياض، من أجل أمن وأمان إسرائيل، لكن لأن التاريخ له مسارح أخرى غير المسرح الرسمي المعلن، فلم يكن الدكتور هنرى يقصد القاهرة فقط ليجرى مفاوضات أو يخوض مباحثات أو يحمل إنذارات أو يقدم اغراءات، فقد كان الثعلب الكبير والذي لقب ب"قيصر البيت الأبيض" في أثناء خدمته كمستشار الرئيس نيكسون للأمن القومي أو كوزير للخارجية، مفتونا بالراقصة نجوى فؤاد، ففيما يبدو كانت لهفته برؤيتها وهى ترقص في أحد الفنادق الكبرى على نيل القاهرة، تزيد عن اهتمامه بمناقشة إجراءات فك الاشتباك الأول أو الثاني!.
ومثلا في الجزء الثاني من كتابه عن المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل والذي يحمل هذا العنوان أيضا، يبدو المرحوم محمد حسنين هيكل، متعجباً من إحدى رحلات كيسنجر المفاجئة إلى القاهرة، خاصة وأن هناك مفاوضات كانت تجري في مدينة جنيف بسويسرا بين الوفود السياسية والعسكرية لمصر وإسرائيل، بإشراف ومتابعة وحضور القوتين العظميين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
لكنى لى الحق أن أستشعر وأدعى أن عشق كيسنجر لرقص نجوى فؤاد وفتنته بها، كانت وراء تجاهله مفاوضات مؤتمر جنيف ولا أدرى هل خجل هيكل من هذا أم استصغره؟!.
بيد أن الكبار أحياناً يجيدون إخفاء صغائر الأمور في كبائرها!.
"على النعمة باتكلم جد" فأنا لا أهزل ولا أسطح الأمور، فكم كان التاريخ مفعما بالعبث في مواضع الجد أو بالجد في مواقع العبث،؟!.
فما من مرة جاء فيها الثعلب الأمريكى المكار إلى القاهرة حتى يطلب بإلحاح طفولي، رؤية فاتنة الرقص الشرقي وهى تخطر على الأرض وهى تتمرجح تحت الخلخال، لأن "كعب الغزال متحنى بدم الغزال"!.
لو كان الأمر افتتانا بالرقص الشرقي لطلب مشاهدة راقصات أخريات كن ينافسن نجوى وقد يتفوقن عليها في ذلك العهد، لكن القلب وما يريد يا عم هنرى، فلم يطلب الرجل الذي دوخ الزعماء العرب في الحرب والسلام، إلا نجوى ليشاهد رقصها!.
.................................
ويذكر أن الرئيس جيمي كارتر عند زيارته القاهرة لأول مرة، طلب مشاهدة نجوى فؤاد ليرى بعينيه، تلك التي فتنت وزير الخارجية في عهدى نيكسون وفورد قبل وصول كارتر البيت الأبيض!".
ولكن عشق كيسنجر لنجوى فيما يبدو أنه حب من النوع الطاهر حتى أنه أرسل إليها طالبا الزواج، كما ذكرت هى نفسها في أكثر من لقاء وحوار تلفزيوني!.
بس بصراحة استطاعت الست نجوى فؤاد أن توقف أحلام وزير خارجية أكبر دولة في العالم، وتخلص منه تار كثير من الزعماء العرب، فلم توافق حتى ولو على دعوة على العشاء مع السيد الوزير الولهان (والذي بلغ من سطوته أنه أحياناً يتمتع بتفويض باختصاصات رئيس الجمهورية في أول رحلة له إلى موسكو لستة أيام خلت من اندلاع حرب أكتوبر والتفويض شخصياً من مستر برزدنت نيكسون رئيس الولايات المتحدة الأمريكية!).
ثم إن قصة فتنتة براقصتنا الجميلة، لم ترو من طرف واحد، بل لها أكثر من شاهد ودليل.
وأول شاهد كان هو السيد كيسنجر بذات نفسيته، حيث كتب في مذكراته أنه كان يخشى من ألا تكون نجوى في مصر مع أى زيارة له!. وإذ به يصفها بأنها من أجمل ما يراه في البلاد العربية، إن لم تكن الشئ الجميل الوحيد!.
......................

"والهجر أقتل لي مما أراقبه ** أنا الغريق فما خوفي من البلل"
................

"وما الناس إلا العاشقون ذوو الهوى ** ولا خير فيمن لا يحب ويعشق"
...................................

تهتك وبح بالعشق جهرا فقلما ** يطيب الهوى إلا لمتهتك الستر
.............................

"يا عيني ع الصبر"
..............................

وقد روت السيدة نجوى نفسها أنه عندما قدم لها زوجته في آخر زياراته للقاهرة، فوجئت أنها تكاد تكون صورة منها!.
فقلب الدكتور هنرى كيسنجر قد تزلزل مع كل خطوة من خطوات كعب الغزال، مع أنها صدته ولم تظهر له أى حنية ولو قام زلزال!.
الغريب أن الأخ هنري لم تشتهر عنه أى فضائح نسائية أو حتى مجرد غراميات وهو يعيش في مجتمع مفعم بكل أنواع المجون الذي لم يخل منه البيت الأبيض نفسه في عهود كثير من الرؤساء الهلاسين!.
ولكن الأعجب أن طلعة الأخ هنرى لم نراها في مصر، إلا في فترات هى قمة في التوتر والقلق مع الدماء النازفة على جبهات القتال، حيث كانت الحرب مشتعلة الأوار وعلى أشدها، وها هى أمريكا نفسها تقرر دخول الحرب بشكل غير مباشر، فهى تمد ثلاثة جسور، بري وبحرى وجوى، لتعويض إسرائيل عن خسائرها في الحرب، وهى كذلك تطلق إحدى طائراتها المتقدمة والتى تحلق خارج مدى قدرات الدفاعات الجوية المصرية، لتصور الجبهة وتهدى إسرائيل ما يتيح لها التسلل من ثغرة الدفرسوار، كمحاولة لتحسين موقفها، وهنا يهل الوجه الكيسنحرى اللعين مزمجرا ومنذرا ومتوعدا ومهددا بتدخل مباشر من البنتاجون في الحرب إذا ما أقدم السادات على تصفية الثغرة بقوة السلاح!.
لكن تحت هذا الوجه الكئيب، كان يكمن قلب عاشق تعلق براقصة وصلت شهرتها إلى أسماعه، تلك الأسماع التى تعود أن يغلقها كثيراً في محادثاته مع الرئيس السادات وبقية الحكام العرب!.
لكن ما انغلق على مائدة المفاوضات، انفتح مع العينين والقلب، يرنو إلى مسرح الشيراتون منتظرا صعود نجوى فؤاد ليرهف أذنية لأول رنة من الخلخال!.
.......................................
هكذا يدير السادة الحروب وعلى هذا المنوال يتحكمون في مصائر الشعوب!
"يا حزن الحزن!"
بس.. هذا اختصار المختصر في حكاية هنرى مع نجوى ولا نراها عجيبة، فرجال السياسة مهما بدا عليهم الجد فهم يهيمون عشقا وتتقطر أرواحهم شوقا إلى الحبيب حتىى ولو كانوا من مجرمي الحرب العتاة - ويمكنك بضمير مرتاح أن تحسب كيسنجر من أعتى مجرمي الحرب، بمسئولية مباشرة أو غير مباشرة مع الرئيس نيكسون، عن مجازر وفظائع ارتكبت في فيتنام وكمبوديا وبنجلاديش وبعض دول أمريكا الوسطى والجنوبية!.
شوف يا أخى!.
مع أنه فاز بجائزة نوبل للسلام في سنة ١٩٧٣. وكان ذلك في ١٧ أكتوبر أى في عز الحرب التى بذل فيها المستحيل لتحويل رحاها لصالح إسرائيل.. ولكن دون جدوى!.
لكن يا برضه مع كل هذا، كان أبو الكناجر عاشقا ولها بنجوانا الجميلة "اللى نفضت له وطلعته قفاه يقمر عيش" فراح ولسان حاله يقول كما أنشد المنفلوطي:
"فما زلتُ أبغي الحبَّ حتَّى وجدتُه
فلما أردتُ القُربَ كان التمنُّعُ".
فلا تغتر بشهرة أو تنخدع بمقام مهما علا أو قام، فلو جيت للجد يا ابن عمى.. كلهم كانوا كيسنجر!.