مدحت بركات يكتب: مصر في بروكسل
في عالم السياسة الخارجية، لا تقاس أهمية الدول بما تمتلكه من ثروات فقط، بل بقدرتها على الحضور والتأثير في مراكز القرار الدولي. ومن هنا تبرز أهمية زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة البلجيكية بروكسل، التي تُعد بحق قلب أوروبا النابض سياسيًا واقتصاديًا ودبلوماسيًا، ومركز إدارة القارة العجوز لشؤونها الداخلية والخارجية.
أولًا – بروكسل: العاصمة السياسية لأوروبا
بروكسل ليست مجرد مدينة أوروبية، بل هي العاصمة السياسية للقارة كلها.
فهي المقر الدائم للاتحاد الأوروبي بمؤسساته الكبرى:
• المفوضية الأوروبية
• المجلس الأوروبي
• البرلمان الأوروبي
كما تستضيف المقر الرئيسي لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ما يجعلها مركزًا لتشكيل السياسات الدفاعية والأمنية لأوروبا والعالم الغربي.
من هنا، فإن زيارة الرئيس السيسي إلى بروكسل تمثل حضورًا مصريًا على أعلى مستوى داخل قلب النظام الدولي الأوروبي، في لحظة تحتاج فيها المنطقة إلى توازن وعلاقات شراكة حقيقية بين الشرق والغرب.
ثانيًا – ماذا فعل الرئيس في زيارته؟
شهدت الزيارة نشاطًا مكثفًا للرئيس عبد الفتاح السيسي، شمل لقاءات مهمة وتفاهمات استراتيجية، أبرزها:
• لقاء رئيسة البرلمان الأوروبي، روبيرتا ميتسولا، الذي أكد خلاله الرئيس على عمق العلاقات المصرية الأوروبية وضرورة تسريع تنفيذ محاور الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.
• مشاركته في القمة الأولى بين مصر والاتحاد الأوروبي، التي عُقدت في بروكسل في 22 أكتوبر 2025، وتم خلالها الاتفاق على توسيع التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والطاقة والأمن والتنمية والهجرة المنظمة.
• دعوة الملك البلجيكي فيليب دومّاك لافتتاح المتحف المصري الكبير في القاهرة مطلع نوفمبر، في بادرة تحمل دلالات ثقافية وسياحية واقتصادية مهمة، تعكس رغبة مصر في تعزيز التواصل الحضاري مع أوروبا.
• طرح ملف الهجرة غير الشرعية، حيث أشاد الجانب الأوروبي بجهود مصر الناجحة في وقف تدفق القوارب، وبالسياسة المصرية المسؤولة التي تجمع بين الإنسانية والسيادة الوطنية.
ثالثًا – دلالات الزيارة وأثرها
زيارة بروكسل ليست حدثًا بروتوكوليًا، بل رسالة استراتيجية إلى العالم مفادها أن مصر شريك موثوق وقوة إقليمية صاعدة في الشرق الأوسط وأفريقيا.
فمن خلالها:
• عززت مصر موقعها كجسر للتعاون بين أوروبا وأفريقيا والعالم العربي.
• فتحت أبوابًا جديدة أمام الاستثمارات الأوروبية في مجالات الطاقة المتجددة، والصناعة، والتحول الرقمي، والنقل المستدام.
• أعادت التأكيد على أن القاهرة طرف أساسي في ملفات السلام والأمن الإقليمي، خاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والوضع في شرق المتوسط.
• وقدّمت نموذجًا ناجحًا في الدبلوماسية الهادئة المتوازنة التي تجمع بين المصالح الوطنية والالتزامات الإنسانية.
خاتمة
إن مصر في بروكسل ليست مجرد زيارة رسمية، بل عبور استراتيجي نحو أوروبا الجديدة، حيث السياسة تُدار بالعقل، والشراكات تُبنى على الثقة، والمصالح تتقاطع لصالح الاستقرار الإقليمي والتنمية المستدامة.
لقد استطاعت مصر أن تُثبت في هذه الزيارة أنها لا تنتظر أن يُفتح لها الباب، بل تطرق أبواب العالم بثقة واقتدار، لتؤكد أنها دولة تحترم التوازنات وتملك قرارها، وتسعى دائمًا نحو مستقبل أكثر أمنًا وازدهارًا لشعبها ولمنطقتها بأسرها.
بقلم: مدحت بركات
رئيس حزب أبناء مصر – رئيس مجلس إدارة جريدة الطريق













