أمة الرحمن المطري تكتب: ثورة السادس والعشرين من سبتمبر.. ميلاد وطن وانبعاث كرامة

في حياة الأمم لحظات فاصلة تُغيّر مصيرها، وتعيد تشكيل وعيها، وتصنع مستقبلها من جديد. ولشعبنا اليمني، كانت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة هي تلك اللحظة التي انكسر فيها ليل الاستبداد، وانبثق فجر الحرية.
لقد عاشت اليمن قبل سبتمبر عقودًا من الظلام تحت حكم الإمامة الكهنوتية، حيث حُرم الإنسان من أبسط حقوقه، وغُيّبت معاني المواطنة، وتحول الوطن إلى مزرعة يتوارثها السلالة ويُستعبد فيها الشعب. لم يكن هناك تعليم يفتح العقول، ولا صحة تحفظ الأرواح، ولا طرق توصل القرى بالمدن، بل كانت البلاد غارقة في الجهل والفقر والمرض، والإنسان فيها مكسور الإرادة، مقطوع الصلة بالعصر.
لكن إرادة الأحرار لم تقبل أن يُدفن وطن بأكمله تحت ركام الاستبداد. فكان السادس والعشرون من سبتمبر 1962 إعلانًا ميلاديًا جديدًا لليمن، يوم ارتفعت رايات الجمهورية، وسقطت جدران العبودية، وبدأ الشعب لأول مرة يتنفس معنى الحرية والكرامة.
إن أهمية ثورة سبتمبر لا تختصر في حدث سياسي، بل في كونها ثورة إنسانية شاملة: أعادت للشعب ثقته بنفسه، وفتحت أمامه أبواب العلم والعمل، وأعطت للمرأة حقها في التعليم والمشاركة، وللطفل حقه في أن يحلم بغد أفضل. سبتمبر هو المدرسة التي وُلدت في القرى، والمستشفى الذي فتح بابه للمرضى، والطريق الذي شق الجبال ليصل اليمني بأخيه، والصوت الذي أعاد لليمن مكانته بين أمته العربية.
وما يجعلنا أكثر اعتزازًا أن ثورة سبتمبر لم تكن حدثًا عابرًا، بل تحولت إلى روح متجددة في وجدان الأجيال، كلما حاول الظلام أن يعود بوجه جديد. فكما كسر آباؤنا قيود الكهنوت قبل أكثر من ستة عقود، سيظل أبناؤنا وأحفادنا أوفياء لرسالتها، مستعدين للدفاع عنها بوعيهم وأصواتهم ودمائهم.
إننا في الشبكة اليمنية للحقوق والحريات، ونحن نستذكر هذه المناسبة العظيمة، نؤكد أن سبتمبر سيبقى أعظم ضمانة لحقوق الإنسان وكرامته في اليمن. فهو لم يكن ثورة سلاح فقط، بل كان ثورة وعي وكرامة وعدالة، وما زال إلى اليوم يمثل الحصن المنيع ضد مشاريع الاستبداد التي تحاول إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء.
رحم الله شهداء سبتمبر الذين دفعوا أرواحهم ثمنًا ليحيا شعبهم حرًا كريمًا، وأجدد الوعد باسم كل أحرار اليمن أننا سنبقى أوفياء لتضحياتهم، وسنحمل مشعل الجمهورية والحرية حتى يكتمل مشروع الدولة المدنية العادلة، ويهنأ كل يمني بيمنٍ يسوده السلام والعدالة والمساواة.
عاشت ثورة 26 سبتمبر، وعاش اليمن حرًا أبيًا.
بقلم/ أمة الرحمن المطري
الأمين العام للشبكة اليمنية للحقوق والحريات