الثلاثاء 19 مارس 2024 مـ 04:41 صـ 9 رمضان 1445 هـ
موقع الصفوة
رئيس التحرير محمد رجبالمشرف العام رحاب غزالة

الاختيار.. ليالي أمير كرارة فى ذبح الخرفان

طارق سعد
طارق سعد

لا شك أن اختيار نجم لتجسيد سيرة بطل شهيد هو الأصعب على الإطلاق، فأنت هنا تحتاج مواصفات خاصة بمنتهى الدقة، وأهمها أن يقتنع الجمهور به فى هذه الشخصية ويصدقه، وهو ما يسلمك لأن ذلك لن يأتي إلا لو كان هذا النجم حسن السير والسلوك، وليس عليه غبار، فيدفع المشاهد لتصديقه والتعايش معه والاقتناع برسالته التى يقدمها هذا العمل وهو أمر فى منتهى الخطورة.

كل المواصفات بالـ "كتالوج" توافرت بسهولة فى اختيار "أمير كرارة" ليلعب شخصية البطل شهيد القوات المسلحة "أحمد منسي"، فـ "أمير" استطاع أن يصنع لنفسه شكلاً وطريقاً خاصا به منذ ظهوره على الشاشة، فاختار احترام نفسه وأسرته وجمهوره وهو ما جعل هناك حباً وصل لدرجة العشق لهذا النجم، لأن الجمهور يفهم جيداً فى معادن نجومه ويفرزها ويثمنها، خاصة أن تعب الفنان ومجهوده فى تطوير نفسه والعمل على تفاصيل أعماله كاملة وليس دوره فقط، واهتمامه بتطوير نجاحه دون استسهال أو تعالٍ، كل ذلك يصل للمشاهد دون عناء، وهو ما صب "أمير" تركيزه عليه فى السنوات الماضية، ليؤهله للقب "باشا مصر – كلبش"، ثم تجسيد ملحمة وطنية فى "الاختيار" لبطل شهيد هى الأقوى والأرقى.

نجاح "كرارة" هذه المرة يختلف تماماً عن كل ما قدمه، فلأول مرة لا تجد "أمير" فى "أمير"، ولكنك وجدت روحاً أخرى التبسته، بما يؤكد أنه هو أيضاً نسي "أمير كرارة"، فأصبح "أحمد منسي"، رغم أنك لم تلتق بالشهيد ولا خالطته، ولكنك تتأكد أن الذى تراه "منسي مش كرارة"، وهو أكبر نجاح حققه "أمير" طوال مشواره عموماً، وفى هذا العمل بالأخص، الذى اختفت فيه تفاصيل "أمير" المعروفة فى أدائه، حتى مشيته وخطواته، ليشعرك بحيرة وتخبط وأنت تتابعه، وكأن الله بعث من روح "منسي" بنفسه فى "كرارة"، لتوثق بطولاته وتسكنه قلوب الشعب المصري بعدما دخلت فى عباد الله ودخلت جنته.

المنسي وكرارة

خطف "أمير" قلوب المصريين النقية، إلا حفنة قليلة ما زالت تحتفظ بعفنها وتتمسك به كجزء أصيل من مكوناتها.. كارهو الوطن والمواطن والمتاجرون بالله ودينه.. لغتهم الدم وعقيدتهم الخراب واجتماعهم قطيع نسيئ للخرفان فى تشبيههم.

أصبح "أمير كرارة" سيفاً حامياً يخرج من جعبة الدولة المصرية فى كل ليلة عرض لحلقة جديدة من مسلسل "الاختيار"، تطير أمامه رؤوساً جديدة من رؤوس المجرمين من مؤيدي الإرهاب ومعتنقي فكره، فجعل هؤلاء الخرفان -مع الاعتذار الشديد للخرفان- يشعرون بـ "فرفرة طلوع الروح" بعدما تعروا أمام الجميع، القريب والغريب والقاصي والداني، وانكشفت حقارتهم وخستهم واجرامهم لتتحول ليالي عرض حلقات "الاختيار" لـ ليالي ذبح الخرفان.

ولأن الغباء أسلوب، وربما أصبح عقيدة عند هؤلاء، فانطلقوا جميعاً بلجانهم الإلكترونية عبر صفحات التواصل الاجتماعي لتشويه "أمير" وزرع الفتنة بينه وبين جمهوره، والتلاعب بمشاعرهم بالتركيز على أجره مقابل عمله، وهو الطبيعي والمنطقي، ولكن تتألق الخسة و"الندالة" عندما قارنوا بين "أمير" والشهيد، وكأن الشهيد يأخذ مقابل واجبه الوطني، وهو بالطبع مبدأهم التجاري الذى لا يعترفون فيه لا بوطن ولا بعقيدة.

ويزداد الفُجر فى محاولتهم إحداث وقيعة بين "كرارة" وأسرة "منسي" بشكل ساذج يثير الشفقة، ويجعلك تحزن عليهم وليس منهم، بعدما ترى كتائبهم "الخايبة" تنتشر تكتب الـ "بوستات" نفسها، وتحكي الحكايات نفسها منسوخة فقط، عليك تجميعها لتلعب بهم لعبة الاختلافات وتبحث عن الاختلاف بين الصور!

استطاع مسلسل "الاختيار" أن يستنفر مشاعر الوطنية داخل صدور الأسوياء ويجعلهم يبحثون عن السلاح والمموه وطريق سيناء، وأعاد سيناء على رأس الأولويات مرة أخرى، ليصبح الـ "100 مليون" إلا "قطيع خرفان"، جيشاً واحداً متماسكاً محافظاً على تراب الوطن ووحدته وسلامة أراضيه.

استطاع "الاختيار" أيضاً بالتألق غير الطبيعي السهل الممتنع الذى قدمه "أمير كرارة" وكل من شاركه العمل، مع مؤلف وسيناريست "باهر دويدار" هو الأقوى والأمهر منذ عرفنا الكاتب الراحل "صالح مرسي" تخصص نجاحات أعمال المخابرات المصرية، ليعيد أمجاد نجاحات هذه الأعمال بحواره الدقيق الصعب العميق المتماسك، والذى يتحدث بلسان أصحابه وليس لسان الكاتب، فى عمل هو الأصعب والأدق والأخطر فى تاريخ الدراما المصرية الحديثة.

كل هذه التوليفة مع مخرج استطاع تحطيم كل الأسقف وتوثيق اسم "بيتر ميمي" فى سجلات التشريف، بقيادة منتج واعٍ مختلف ومميز "تامر مرسي"، الذى سخر كل إمكانياته من خبرات ومهارات وفنيات ونفقات.. كل هذه التوليفة نجحت فى وضع "الاختيار" على قمة المشاهدات ليصبح أفضل عمل فى تاريخ الدراما المصرية بعد "رأفت الهجان".

مسلسل الاختيار

استطاع "الاختيار" بهذا النجاح الساحق فى استفزاز "نطحات الخرفان" التى أصابت "أمير" والعمل كاملاً، ووصلت لمرحلة التبجح من اتهام قنواتهم الموجهة وعلى رأسها "الجزيرة" للمسلسل بأنه يزيف الحقائق ويغيب الوعي ويشوه الإرهابيين، وهي كوميديا سوداء برائحة نتنة، وكان ردهم بحجم حقارتهم بعمل إرهابي خسيس فى سيناء قبل الإفطار كعادتهم ليخلف شهداء جدد ومصابين.

سلاح القوة الناعمة أثبت فى إعادة استخدامه متطوراً من جديد مدى قوة تأثيره وفعاليته وعمق ضرباته الموجعة، وهو ما يجعلنا نركز عليه بقوة الفترة المقبلة، فيجب أن لا نكتفي بـ "الاختيار" ولكننا نحتاج اختيارات كثيرة من نفس النوعية.

رحم الله شهداء الوطن من القوات المسلحة والشرطة، وبتوثيق بطولاتهم سيعاد تشكيل و"تنظيف" وعي الشعب الذى تغيب منذ 2011، ونكتسب نجوماً جديدة ببريق جديد ومختلف مثل "أمير كرارة"، الذى وصل لأعلى نقاط القمة بما يجعلك تشفق عليه من صعوبة القادم ولكن ...

بالثقة التى بناها فى السنوات الماضية وصولاً لـ "الاختيار" تثق أن "أمير كرارة قدها وقدود".