مدحت بركات يكتب: لماذا نحتاج اليوم إلى حوار وطني هادئ حول المسار الانتخابي؟
(المقال رقم 1)
(ضمن سلسلة: نحو حوار وطني انتخابي هادئ)
تمر مصر بمرحلة سياسية دقيقة تتطلب قدرًا كبيرًا من التوازن والحكمة في إدارة النقاش العام، خاصة مع الاستحقاقات الانتخابية التي تمثل أحد أهم أدوات التعبير عن الإرادة الشعبية، وأحد ركائز بناء الثقة بين المواطن والدولة.
وقد أكدت التجارب الانتخابية الأخيرة حرص الدولة الواضح على احترام القانون وتنفيذ أحكام القضاء، بما يرسخ مبدأ سيادة القانون كواقع عملي، لا كشعار نظري، وهو ما يُعد عنصر قوة واستقرار في حد ذاته.
وفي المقابل، فقد أفرزت بعض التطورات المصاحبة للعملية الانتخابية – رغم مشروعيتها القانونية – حالة من التباين في الرؤى داخل المشهد السياسي، وطرحت تساؤلات مشروعة لدى بعض المرشحين والناخبين حول وضوح القواعد واستقرار الإجراءات المنظمة للعملية الانتخابية.
وهنا يصبح من الضروري التفرقة بين أمرين أساسيين:
الأول، أن احترام القانون والقضاء أمر ثابت لا جدال فيه.
والثاني، أن تطوير الأداء وتحسين الإجراءات يظل حقًا وواجبًا وطنيًا، طالما يتم في إطار هادئ ومسؤول.
إن الدعوة إلى حوار وطني حول المسار الانتخابي لا تعني الاعتراض أو التشكيك، ولا تستهدف توجيه الاتهامات، بل تنطلق من الحرص على تعزيز التجربة الانتخابية، وتفادي أي ارتباك قد يؤثر على ثقة المواطن أو حماسه للمشاركة.
فالمواطن المصري بطبيعته ليس بعيدًا عن الشأن العام، لكنه يحتاج إلى شعور بالوضوح والاستقرار، وإلى قواعد مفهومة تضمن تكافؤ الفرص، وتؤكد أن صوته مؤثر وله قيمة حقيقية.
ومن هذا المنطلق، فإن الأحزاب السياسية مدعوة اليوم للقيام بدورها الطبيعي كشريك في المسؤولية الوطنية، ليس فقط من خلال المنافسة الانتخابية، وإنما عبر المساهمة بالرأي، وطرح الرؤى، والمشاركة في حوار بنّاء يخدم الدولة والمجتمع معًا.
إن بناء حياة سياسية مستقرة لا يتحقق بالصوت العالي أو الجدل، وإنما بالحوار الهادئ، والاستماع المتبادل، والعمل المشترك على تطوير المسار بما يتواكب مع متغيرات الواقع وطموحات الجمهورية الجديدة.
وفي الختام، فإن قوة الدول لا تُقاس بغياب النقاش، بل بقدرتها على إدارته بعقلانية ومسؤولية. ومصر، بما تملكه من مؤسسات راسخة ووعي سياسي متراكم، قادرة على تحويل الحوار الوطني حول العملية الانتخابية إلى خطوة إضافية نحو الاستقرار وتعزيز الثقة والمشاركة.














