كيف تحفظ كتاب الله في عشر دقائق يوميًا؟.. بقلم: د. طلال بن أسعد الدندش
في ظل تسارع إيقاع الحياة وتزايد الأعباء اليومية، يظن كثيرون أن حفظ القرآن الكريم يحتاج إلى تفرغٍ طويل وقدراتٍ استثنائية، فيؤجلونه أو يعزفون عنه. غير أن التجربة العملية، والنظر المتأمل في منهج الوحي، يكشفان أن حفظ كتاب الله أقرب وأسهل مما يتصوره الناس، إذا سلكوا الطريق الصحيح وأخذوا بالأسباب المناسبة.
لقد تلقّى النبي ﷺ القرآن الكريم عن طريق السماع والتلقي من جبريل عليه السلام، وكان أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك حفظ القرآن كاملًا في صدره. كما أن الصحابة والتابعين، ومن بعدهم علماء كُثُر عبر التاريخ، اعتمدوا على السماع والإنصات وسيلةً أساسية لتثبيت الحفظ، حتى إن بعضهم فقد نعمة البصر، لكنهم امتلكوا نعمة السمع، فكان القرآن رفيقهم الدائم.
من هنا تنطلق فكرة هذا المشروع، التي يقوم عليها كتاب «كيف تحفظ كتاب الله في عشر دقائق يوميًا؟»، حيث يعتمد على توظيف حاسة السمع باعتبارها أقوى الحواس تأثيرًا في العقل الباطن. فالإكثار من سماع السورة كاملة لفترة زمنية محددة، دون إلزام بالحفظ المباشر، يجعل الآيات مألوفة للقلب واللسان، وعند الانتقال إلى الحفظ لا يحتاج الإنسان إلا إلى دقائق يسيرة يوميًا، يجد بعدها أن الكلمات تتدفق بسهولة وثبات.
ولا يقتصر هذا المنهج على الحفظ المجرد، بل يربط بين الحفظ والصلاة، والتكرار، وقيام الليل، ليصبح القرآن جزءًا حيًا من حياة المسلم اليومية، لا مهمة عابرة ولا عبئًا إضافيًا. كما أنه منهج مرن يصلح للكبار والصغار، ولأصحاب المشاغل، بل وللأطفال منذ سنواتهم الأولى، عبر تعويدهم على سماع القرآن قبل تعلم القراءة والكتابة.
إن هذه الطريقة تعيد الثقة إلى النفوس، وتؤكد أن حفظ القرآن ليس حكرًا على فئة دون أخرى، وإنما هو متاح لكل من صدق مع الله وأحسن التوكل عليه، مصداقًا لقوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾.
إنه مشروع إيماني وتربوي، لا يهدف فقط إلى تخريج حفاظ، بل إلى بناء علاقة دائمة مع كتاب الله، سماعًا وحفظًا وفهمًا وعملًا، حتى يعود القرآن من جديد نبضًا حيًا في القلوب ومرجعًا في السلوك والحياة.












