الثلاثاء 19 مارس 2024 مـ 08:43 صـ 9 رمضان 1445 هـ
موقع الصفوة
رئيس التحرير محمد رجبالمشرف العام رحاب غزالة

مدحت بركات يكتب: من يحاسب من؟

"قَالُوا إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ ۚ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا ۖ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ"، ترى لماذا كتم سيدنا يوسف الوجع في صدره ولم يبدي لأخوته حجم ألمه وكيف حبس دموع بعد رميه بالتهم الباطلة وتلفيق الجرائم له وهو بريء منها براءة الذئب من دمه، بالطبع يوسف عليه السلام كان نبيا، ولديه سماحة المرسلين، لكننا لسنا أنبياء ومن حقنا أن نصرخ ونتألم بصوت عال لأننا بشر ولأن للظلم مرارة لا تحتملها الأجساد، وللقهر انكسار مزاقه كالعلقم، ولايمكن أن تصفى نفوس شرخها الظلم المبين.

ما أسهل أن تهدم صرحا في طرفة أعين لكن بناءه يحتاج لسنوات من التعب والجهد،.. البدايات كانت على شواطىء الإسكندرية والحلم ولد هناك مع ارتياد كلية الهندسة، وحددت هدفي قبل الوصول لمفارق الطرق.. سوف أصبح مهندسا وأحدث صيحة جديدة في سوق الإنشاءات والعقارات في مصر، فالوالد رحمه الله كان يعمل في ذات المجال ولديه خبرة واسعة واستثمارات ومشروعات متعددة، لكن بجانب رؤيتي في العمل كان شيء خفي في نفسي يجنح لزاوية أخرى وجدتني أنجذب دون إرادة منى إلى العمل العام، وفي «الخليفة» أسست جمعية لخدمة أهالي مسقط رأسي وجيراني، اتسع نشاطها مع الأيام وباتت واحدة من كبريات الجميعات الأهلية ولها إسهامات متعددة.

في العشر الأواخر من حكم الرئيس الأسبق مبارك زادت الأوضاع سوءا وصار الفساد أو الحديث عنه هو السائد في المنتديات والجلسات الخاصة وبين الرجل وزوجه وبين العامة وفي وسائل المواصلات ناهيك بأحاديث الأحزاب لكن كله أو جله كان همسا لا يرتفع لسقف النقد ولا يصل لمرحلة الرفض والاستهجان حيث كانت عصا السلطان قوية وغليظة وموجعة، في تلك الأوقات العصيبة ومن قلب الخوف قررت إصدار جريدة الطريق لتكون منبرا ومنصة وسيفا على الظلم مهما كان الثمن فالساكت عن الظلم والفساد والمحسوبية والتربح وتسخير النفوذ وإمراض الشعب وتجويعه شيطان لعين وأخرس وأبكم، وقد كان الثمن سريعا حيث تحركت حاشية السلطان لتبطش وتشوه وتستولي وتحرق الأحلام والواقع، إذ للجرأة فاتورة أيضا.. فصادروا الجريدة، وحرروا ولفقوا ما شاء لهم من اتهامات باطلة قصدت لتشويه السمعة وهتك الأمانة والشرف وصار «المكافح» خائنا وتحول قاهر الصحراء إلى «لص أراضِ»، وتحولت العقود والمستندات المختومة بشعار النسر من جهات حكومية رسمية إلى تزوير في أوراق رسمية.

مدينة «وادي الملوك».. كانت حلم مدحت بركات كما كانت «مدينة سنبل» حلم محمد صبحي في مسلسله الشهير، حيث أزرع الحياة في الصحراء القاحلة وتنبت الرمال من خيرات ربها، بسواعد الرجال حفرنا الأبار وخرجت المياه زلالا عذبا، غطت الخضرة وجه الحياة الأصفر، فاحت رائحة الخبز والثمار على مدى البصر... فجأة انهار كل شيء تحت زمجرة معدات الهدم الغاضبة التي يسوقها رجال الوالي.. من أنتم؟.. نحن رسل الانتقام والتشفي والتهذيب والتأديب، نحن من أرسلونا لنقتل حلمك.. لكن هذه أرضي وأوراقي سليمة وقانونية.. نحن القانون نحن القوة نحن النفوذ نحن السطوة.. وتلك الأختام والنسور على الأوراق ماذا تكون.. كأنها سراب فأمرنا «ختم» وقرارنا «فرمان»..

بتهم تغيير صفة نشاط الأرض وعدم سداد ثمنها والتربح وضعت مراكز القوى يدها على المشروع ولاحقت مالكه بتهم التزوير والنصب وهو منها براء، حينما صرخ كأي مظلوم في وجه اللجنة التي صاحبت فرق الإزالة لمشروعه اتهم بعرقلة تنفيذ القانون والتعدي على اللجنة الحكومية.

لأن الغيب في علم الله وحده لم أكن لأتوقع أن ينصرني الله تعالي بهذا الحجم وينتقم من كل من ظلموني وأن يسقط الفرعون الأخير وهامان وحاشيتهما، أن يعصف الشعب المصري بكل رموز الظلم ومراكز المال والسلطة والاستغلال وكأن الاعتذار كان جماعيا.

سنوات وراء سنوات في أروقة المحاكم بحثا عن براءة مستحقة، لينطق بها القاضي أخيرا ونهائي.. براءة مدحت بركات من كل التهم الملفقة وأحقيته في أرضه كما أحقيته في أن يحلم في القضية رقم 10798 و11913 لسنة 2011 ق.

مبارك ونظيف والعادلي وعز وجمال مبارك وأمين أباظة من مات منهم ومن بقي منهم بلا حول ولا قوة شاركوا بالفعل أو الصمت أو التجاهل في قهر وظلم وتشويه رجل أعمال لم يرتكب جريمة في حياته سوى أنه سعي لتحقيق ذاته وحلمه كما يريده هو وليس وفق السير مع القطيع.. لم أجد وقتا للانتقام والتشفي لم أجد أحدا لأحاسبه فقد نزعت عنهم الحصانة والسمعة والهيبة والجاه والمال ورفع عنهم ثوب الحياء.. من أحاسب على سنوات أكلها الزمن مني ظلما؟.. من يحاسب من؟؟ سؤال يعتريني من وقت لآخر ومعه تتوه الإجابات..