أحمد سيف اليزل: سقوط الرافال والمسيرات الإسرائيلية في باكستان قراءة تفصيلية لأبعاد المواجهة الهندية الباكستانية في مايو 2025

في أوائل مايو 2025، اندلعت واحدة من أعنف موجات التصعيد العسكري بين الهند وباكستان منذ أكثر من عقدين. لكن ما يميز هذه المواجهة لم يكن فقط عدد الضربات الجوية أو التصريحات السياسية المتبادلة، بل الخسائر النوعية التي كشفت عن توازنات دولية جديدة في سوق التسليح وتحالفات القوى الكبرى.
ففي غضون أيام قليلة، سقط عدد من طائرات "رافال" الفرنسية الصنع – بين رواية باكستانية تؤكد إسقاط ثلاث، وأخرى فرنسية تلمّح إلى سقوط واحدة، في حين تنفي الهند الأمر كليًا – إلى جانب 25 طائرة مسيّرة إسرائيلية من طراز Harop تم اعتراضها لاحقًا داخل العمق الباكستاني.
ورغم أن الحدثين وقعا في نفس سياق التصعيد، إلا أن التغطية الإعلامية وردود الأفعال الغربية اختلفت بشكل يطرح علامات استفهام حول أولويات الحلفاء وحدود اللعبة الجيوسياسية.
أ تسلسل الأحداث: من باهالجام إلى كويتا... أيام غيّرت شكل المواجهة
????️ 22 أبريل 2025 – الهجوم الإرهابي في كشمير
في واحدة من أكثر الهجمات دموية منذ سنوات، تعرضت حافلة تقلّ زوارًا هندوسًا لهجوم مسلح في منطقة باهالجام بكشمير، أسفر عن مقتل 26 مدنيًا. أعلنت جماعة تُدعى "جبهة المقاومة" مسؤوليتها، لكن الهند وجهت أصابع الاتهام مباشرة إلى المخابرات الباكستانية، متهمةً إياها بالتخطيط والتمويل.
????️ 24 أبريل – التصعيد الدبلوماسي
اندلعت حرب تصريحات، أعقبها طرد متبادل للدبلوماسيين، وتعليق عدد من الاتفاقات الاقتصادية، وسط تحذيرات باكستانية من "العبث بالخط الأحمر".
????️ 5 مايو – الهند تطلق عملية "سندور"
في فجر هذا اليوم، شنّ سلاح الجو الهندي عملية جوية موسعة استهدفت 9 مواقع باكستانية موزعة بين كشمير وبلوشستان. شاركت في العملية مقاتلات رافال وميغ-29 وسوخوي، إلى جانب طائرات مسيّرة إسرائيلية للاستطلاع والتوجيه.
????️ مساء 5 مايو – باكستان ترد بإسقاط المقاتلات
أعلنت إسلام آباد أن دفاعاتها الجوية أسقطت خمس طائرات هندية:
ثلاث مقاتلات رافال (بحسب الرواية الباكستانية).
طائرة ميغ-29.
طائرة سوخوي.
وذلك باستخدام طائرات J-10C صينية وصواريخ PL-15 بعيدة المدى.
8 مايو – إسقاط المسيرات الإسرائيلية
كشفت باكستان عن إسقاط 25 طائرة مسيّرة من طراز Harop انتحارية، إسرائيلية الصنع، أثناء محاولتها تنفيذ ضربات في العمق الباكستاني. لم تُصدر إسرائيل أو الهند أي تعليق رسمي.
???? 7–8 مايو – روايات متضاربة وصمت دولي
مسؤول استخباراتي فرنسي صرّح لـCNN بأن طائرة رافال واحدة على الأقل سقطت فعلًا.
وسائل الإعلام الغربية ركّزت على أزمة فرنسا، بينما تجاهلت المسيّرات الإسرائيلية.
ارتفعت أسهم الشركات الصينية وتراجعت أسهم شركة Dassault الفرنسية.
كل ذلك رسم مشهدًا جديدًا... لم يكن فقط ساحة معركة بين دولتين نوويتين، بل عرضًا مفتوحًا لتفوق السلاح، وخريطة الولاءات في معسكر الغرب نفسه.
سقوط الرافال – ضربة عسكرية أم كشف سياسي؟
لم تكن الرافال مجرد مقاتلة متعددة المهام، بل بمثابة تاج الصناعة العسكرية الفرنسية، ورمز لهيبة باريس في سباق التسليح العالمي. ومع اندلاع المواجهة الجوية في 5 مايو، أعلنت باكستان أنها أسقطت ثلاث طائرات رافال خلال التصدي للهجوم الهندي، في حين كشفت مصادر استخباراتية فرنسية لشبكة CNN أن طائرة واحدة فقط تأكد سقوطها. أما الهند، فقد التزمت الصمت الكامل، دون تأكيد أو نفي رسمي، مما زاد الغموض وضاعف الشكوك.
عسكريًا، كانت الصواريخ المستخدمة من طراز PL-15 الصيني، أحد أخطر صواريخ الجو–جو بعيدة المدى في آسيا، بمدى يتجاوز 200 كيلومتر، وقدرة عالية على التتبع والتشويش. هذا الصاروخ لا ينافس فقط نظيره الأوروبي Meteor، بل تفوّق عليه في أول اختبار عملي ضد الرافال في ساحة قتال حقيقية.
سياسيًا، جاءت الضربة في توقيت بالغ الحساسية: فرنسا كانت قد وقّعت مع الهند في منتصف 2024 صفقة دفاعية استراتيجية لتوريد 26 طائرة رافال بحرية مخصصة لحاملة الطائرات "INS Vikrant"، بقيمة 7.4 مليار دولار. سقوط المقاتلات – أو حتى مقاتلة واحدة – فوق باكستان، مثل لطمة مدوية لهذه الشراكة، وأعاد طرح سؤال صعب: هل يستحق السلاح الفرنسي كل هذا الاستثمار؟
أما إعلاميًا، فقد وجدت باريس نفسها وحيدة. لم يصدر أي بيان تضامني من حلفائها الغربيين، بل ظهرت تقارير غربية تُحمّل الطيارين الهنود مسؤولية الحادث، وكأن سقوط الطائرات سببه خطأ بشري، لا خلل في السلاح. وتزامن ذلك مع صمت أمريكي بارد، ولامبالاة إسرائيلية لافتة، ما كشف حدود الدعم في لحظة سقوط محرجة.
باختصار، ما سقط لم يكن طائرات فقط... بل سقطت معه صورة فرنسا كقوة تسليحية موثوقة، وسقطت معها أوهام التحالفات الصلبة، التي لا تحضر إلا في حفلات التوقيع، وتغيب عند أول اختبار حقيقي في ساحة المعركة.
ما بعد السقوط لم يكن فقط سياسيًا أو عسكريًا، بل وصل مباشرة إلى أسواق المال وصناديق السلاح. فور انتشار تقارير باكستانية – مدعومة بتصريحات فرنسية مسرّبة – عن إسقاط مقاتلة رافال، شهد سهم شركة Dassault Aviation المصنعة للطائرة هبوطًا بنسبة 3.4% خلال جلسة واحدة في بورصة باريس (Euronext)، وهو أكبر تراجع يومي لها منذ سبتمبر 2022.
هذا الانخفاض لم يكن عابرًا. بل عكس قلق المستثمرين من تراجع ثقة السوق في كفاءة الطائرة، خاصة بعد أن باتت تقارن علنًا بصواريخ صينية مثل PL-15، لا تتجاوز كلفتها التشغيلية ثلث كلفة صاروخ Meteor الأوروبي.
لكن الأثر الأعمق كان في العقود الدفاعية المستقبلية:
في الهند، بدأت دوائر داخل وزارة الدفاع الهندية تضغط لإعادة تقييم جدوى صفقة شراء 26 طائرة رافال بحرية – خصوصًا مع تصاعد الانتقادات داخل البرلمان حول الاعتماد على سلاح "ثبت ضعفه"، بحسب وصف أحد النواب من حزب بهاراتيا جاناتا.
في الخليج، حيث كانت فرنسا تسعى بشراسة للحصول على حصة أكبر في صفقات التسليح الإماراتية والسعودية، جاءت أزمة الرافال كضربة موجعة. فالدول الخليجية، التي باتت أكثر ميلاً للسلاح الأمريكي والتركي، لن تغامر بمليارات على سلاح يُسقطه صاروخ صيني بأقل من 20% من تكلفته.
ورغم محاولات "داسو" وإليزيه احتواء الأزمة إعلاميًا، إلا أن الحقيقة لا يمكن إنكارها: صورة الرافال تلقت أول ضربة عملية في ساحة قتال مفتوحة، وصدى تلك الضربة سُمع في البورصات، وغرف التعاقد، وغرف الاستخبارات العسكرية معًا.
سقوط المسيرات الإسرائيلية: السلاح الذكي الذي سقط في صمت
بينما كانت الأنظار منصبة على مقاتلات الرافال وهي تتساقط فوق جبال كشمير، كانت هناك معركة إلكترونية تدور على جبهة موازية، لا تقل أهمية... لكنها قوبلت بصمت.
في يوم 8 مايو 2025، أعلنت القيادة العسكرية الباكستانية أنها نجحت في إسقاط 25 طائرة مسيّرة هجومية إسرائيلية الصنع من طراز Harop، كانت قد أطلقتها الهند في الموجة الثانية من عملياتها الجوية ضمن عملية "سندور". هذه المسيرات تُصنّف ضمن الأسلحة الانتحارية عالية الدقة، وتُستخدم لضرب الرادارات ومحطات القيادة الإلكترونية.
لكن رغم ضخامة الرقم والخطر التقني، إلا أن المشهد الإعلامي والسياسي تعامل مع الواقعة وكأنها لم تكن.
لماذا صمت الجميع؟
1. إسرائيل لم تعترف بالمشاركة المباشرة
رغم أن الهند كانت قد اشترت دفعات ضخمة من المسيرات الإسرائيلية في 2023 و2024 ضمن عقود تخطّت 1.5 مليار دولار، فإن إسرائيل لم تصدر أي بيان رسمي حول استخدام مسيّراتها، ولا حتى حول سقوطها. هذا الصمت كان متعمدًا، لأن الاعتراف يعني شيئًا واحدًا: ضربة قاسية لصورة التقنية العسكرية الإسرائيلية التي تعتمد على التسويق أكثر من التوثيق.
2. الهند امتنعت عن التعليق
الجيش الهندي تجاهل الحديث عن خسائر في الطائرات المسيّرة، وركّز على الترويج لنجاح "مرحلة الردع". ربما لأن الاعتراف بسقوط 25 طائرة من طراز متطور سيقوّض من صورة المؤسسة العسكرية التي كانت تعول على التقنية الإسرائيلية لسد فجوة الحرب الإلكترونية.
3. الإعلام الغربي مارس سياسة الانتقائية
في حين غطت كبريات الصحف الغربية مسألة سقوط الرافال، لم يرد ذكر سقوط المسيرات في أي وسيلة إعلامية بارزة مثل New York Times أو BBC أو حتى The Times of Israel. والسبب واضح: الحديث عن فشل تكنولوجيا إسرائيلية يُعد – في عرف الإعلام الغربي – ضررًا استراتيجيًا لحليف رئيسي في الشرق الأوسط.
البُعد السياسي الأعمق:
خسارة 25 مسيّرة لا تساوي فقط تكلفة مالية، بل تفتح أسئلة عن فاعلية الذكاء الاصطناعي والتحكم عن بُعد في المعارك الحديثة. فبينما تروّج إسرائيل لهذه الطائرات كأدوات تفوق حاسمة، فإن عجزها عن تجاوز الدفاعات الباكستانية – التقليدية نسبيًا – يطرح شكوكًا حول مدى جدوى هذه الأنظمة في حروب ذات دفاعات مركبة.
والأخطر: أن بعض المراكز الأمنية الخليجية بدأت في مراجعة جدوى الاستثمار في منظومات إسرائيلية مشابهة، مثل SkyStriker وHero، بعدما ظهر أن Harop فشلت في أول اختبار قتالي كبير منذ استخدامها في حرب ناغورني كاراباخ.
ما لم يُقَل: حين تصمت البيانات وتتحدث التحالفات
في الحروب التقليدية، ما يُقال في المؤتمرات الصحفية يكتب التاريخ.
أما في حروب التكنولوجيا الحديثة، فإن ما لا يُقال هو الذي يُشكّل المستقبل.
في الاشتباك الأخير بين الهند وباكستان، كُتب العنوان الأكبر: "سقطت طائرات، وتبادل الطرفان الاتهامات".
لكن تحت هذا العنوان، دارت معركة خفية لم تعترف بها أي جهة رسميًا، ولم تُناقشها شاشات التحليل العسكري. إليك ما لم يُقَل:
أولًا: إسرائيل خسرت أكثر مما تريد الاعتراف به
خسارة 25 طائرة مسيّرة في عملية واحدة ليست مجرد حادثة عسكرية... بل فضيحة تكنولوجية.
إسرائيل بنت جزءًا كبيرًا من نفوذها العسكري العالمي على تصدير الذكاء الاصطناعي في ميدان الطيران بدون طيار، وتسويق منتجاتها كـ"الأنظمة التي لا تُهزم".
الصمت الذي اختارته تل أبيب ليس حيادًا... بل تكتيك للهروب من الموجة.
أي بيان رسمي كان سيعني إما الاعتراف بالهزيمة، أو الدخول في تحقيقات داخلية وخارجية... خاصة من شركائها في آسيا.
ثانيًا: فرنسا خُذلت في لحظة كانت تنتظر فيها دعمًا غربيًا
رغم أنها حليف غربي تقليدي، إلا أن باريس لم تجد من يدافع عنها بعد سقوط الرافال.
لم تصدر أمريكا بيان تضامن، ولا تحرك الإعلام البريطاني أو الإسرائيلي لتبرئة الطائرة الفرنسية، بل العكس تمامًا:
تم تسريب تقييمات تشير إلى “ضعف أداء الطيارين الهنود” لتبرئة السلاح الأمريكي المنافس.
ظهرت مقالات تروّج لمقارنة PL-15 الصيني بصواريخ Meteor الفرنسية، وكأن السلاح الفرنسي أصبح سلعة قديمة.
الرسالة واضحة: "إذا أردتَ أن تلعب بعيدًا عن الناتو... فلن يحميك أحد".
ثالثًا: الهند تقاتل وحدها… والجميع يراقب
الهند ظنّت أن تحالفها مع فرنسا وإسرائيل والولايات المتحدة سيضمن لها تفوقًا في ساحة المعركة.
لكن ما حصل هو العكس تمامًا:
فرنسا خذلتها بعدم الاعتراف بخسائر حقيقية.
إسرائيل اختبأت خلف ستار الصمت.
أمريكا اكتفت بالمراقبة.
وحدها الهند دفعت ثمن المواجهة: خسائر بشرية، وتراجع في أسواقها، وضغوط داخلية على مؤسستها العسكرية.
رابعًا: باكستان ربحت معركة وعي
لم تنتصر باكستان فقط بالصواريخ… بل بالصورة.
استطاعت فرض نفسها في المواجهة الإعلامية دون أن تشتري ذلك عبر لوبيات أو حملات.
قدّمت للعالم نموذجًا للدفاع المركب الذي يهزم التكنولوجيا العالية بكلفة أقل.
والأهم: أجبرت خصومها على الصمت، وهو أعلى درجات الانتصار في حروب الردع الحديثة.
الإعلام لا ينسى... وفرنسا تدفع ثمن موقفها من غزة وبيروت
في خريف 2024، تبنّت فرنسا موقفًا سياسيًا أقل حدة من باقي أعضاء حلف الناتو تجاه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجنوب لبنان.
الرئيس الفرنسي صرّح حينها بأن “الحلول الأمنية وحدها لا تصنع استقرارًا” ودعا إلى وقف فوري لإطلاق النار، وهو ما اعتبره الإعلام الإسرائيلي “ميوعة أوروبية” واصطفافًا غير مباشر مع خصوم تل أبيب.
لكن هذا الموقف لم يمر دون فاتورة.
مع سقوط الرافال في باكستان، لم يجد الإعلام الفرنسي دعمًا أو دفاعًا من الصحف الكبرى الأمريكية أو الإسرائيلية. بل على العكس، انشغل بعضها بترويج تقييمات تُقلل من كفاءة الطيارين الهنود، وتُحيد مسؤولية السلاح، وتُحرج باريس أمام شركائها.
وفي الوقت الذي كانت فيه فرنسا تتلقى الضربات الإعلامية، تجاهل نفس الإعلام سقوط 25 مسيّرة إسرائيلية، وكأنها لم تكن، في رسالة سياسية خفية مفادها: من لا يدعمنا في غزة... لن نسانده في كشمير.
من الرابح ومن الخاسر؟ قراءة تفصيلية في خرائط المكاسب والخسائر
في الحروب الحديثة، لا تُقاس النتائج بعدد الطائرات التي سقطت، بل بعدد الرسائل التي وصلت، وعدد العقود التي تأجلت، وعدد التحالفات التي اهتزت أو ترسخت. وهذه الاشتباكات لم تكن مجرد مناوشات بين جارين نوويين، بل كانت أشبه بمسرح اختبار دولي، خرج منه كل طرف بدرجة من الخسارة أو المكسب.
باكستان: انتصار عسكري ومعنوي في ساحة غير متكافئة
عسكريًا: نجحت باكستان في إسقاط خمس طائرات مقاتلة حديثة، و25 مسيّرة هجومية متطورة، بوسائل تقنية أقل تكلفة.
سياسيًا: أثبتت قدرتها على الردع رغم التفوق التقني للهند، وأحرجت فرنسا وإسرائيل في ساحة لا يتوقع العالم أن تنتصر فيها.
إعلاميًا: تحكمت في السرد في بداية الأزمة، وسوقت نجاحها على أنه انتصار لسيادة وطنية وفعالية الدفاعات المحلية.
النتيجة: الرابح الأكبر، ولو مؤقتًا، في معركة توازنات ردع.
الصين: الربح الصامت والأكثر استراتيجية
تقنيًا: أثبتت صواريخ PL-15 تفوقها على صواريخ Meteor الأوروبية.
اقتصاديًا: صعدت أسهم شركات الصناعات الدفاعية الصينية بنسبة تجاوزت 30% خلال أسبوع.
جيوسياسيًا: عززت بكين من ثقة الدول النامية في سلاحها، كمنافس حقيقي للغرب.
النتيجة: كسبت الجولة دون أن تطلق رصاصة بنفسها.
إسرائيل: خسرت في الميدان... ونجت بالسكوت
خسائر مباشرة: سقوط 25 مسيّرة من طراز Harop في يوم واحد يُعد ضربة لسمعة صناعتها الدفاعية.
موقف رسمي: التزمت الصمت التام، وتجنبت الإعلام بالكامل.
إعلاميًا: ربحت معركة التعتيم، ونجحت في تحويل الأنظار نحو فرنسا.
النتيجة: خسارة تقنية... وربح دبلوماسي وإعلامي يحفظ ماء الوجه.
فرنسا: الطعنة المزدوجة
عسكريًا: طائرة واحدة على الأقل سقطت فعلًا – بحسب مصادر فرنسية – وقد تكون أكثر بحسب باكستان.
اقتصاديًا: تراجع سهم Dassault Aviation في البورصة بنسبة 3.4%.
سياسيًا: لم تجد دعمًا غربيًا، بل تلقت هجومًا مبطنًا من الإعلام الإسرائيلي والأمريكي بسبب مواقفها من غزة ولبنان.
دبلوماسيًا: علاقاتها مع الهند باتت على المحك، وصفقة الرافال البحرية باتت محل تساؤل داخلي هندي.
النتيجة: الخاسر الأكبر استراتيجيًا في ساحة يُفترض أنها حليفة.
الهند: الخاسر الذي يُجبر على الصمت
عسكريًا: خسائر في الطائرات والمسيّرات، وانكشاف جزئي في فعالية الأنظمة الدفاعية.
سياسيًا: ارتباك في الخطاب الرسمي، ومحاولات إنكار أدت إلى فقدان السيطرة على الرواية الإعلامية.
اقتصاديًا: تراجع مؤشرات سوق المال المحلي، وضغوط على الحكومة من الداخل بشأن جدوى عقود السلاح الأخيرة.
النتيجة: دفعت الثمن ميدانيًا ومعنويًا، بينما حلفاؤها اختاروا الوقوف على الهامش.
الولايات المتحدة: المراقب المستفيد... أو اللاعب الصامت
رغم أن واشنطن لم تكن طرفًا مباشرًا في اشتباكات مايو 2025، إلا أن غيابها عن المشهد الإعلامي والسياسي لم يكن محض صدفة، بل كان جزءًا من استراتيجية “المراقبة المحسوبة”.
أولًا: موقف من فرنسا؟
الولايات المتحدة لا تنظر بعين الرضا إلى محاولات باريس فصل مسارها الدفاعي عن الناتو، خصوصًا بعد الصفقة الفرنسية–الهندية الكبرى في 2024، التي همّشت شركات السلاح الأمريكية لصالح Dassault.
في ضوء هذا، قد يكون الصمت الأمريكي تجاه سقوط الرافال رسالة مبطنة: “حين تتجاوزنا... لن نغطيك”.
ثانيًا: مراقبة السوق الآسيوي
الهند تُعد من أهم مستوردي السلاح في العالم، وأي خيبة أمل في السلاح الفرنسي أو الإسرائيلي تفتح الباب أمام منتجات أمريكية مثل F-15EX أو حتى F-35. بالتالي، قد يكون ما جرى فرصة ثمينة للولايات المتحدة لتقديم نفسها كمزوّد “أكثر كفاءة”.
ثالثًا: توازن حذر مع باكستان
رغم التوترات الطويلة، لا ترغب واشنطن في مواجهة مفتوحة مع إسلام آباد، التي تُعد لاعبًا مهمًا في ملفي أفغانستان والصين. لذا فضّلت أمريكا أن تُمسك العصا من المنتصف، فلا تؤيد فرنسا علنًا، ولا تدين باكستان.
النتيجة: الولايات المتحدة لم تربح مباشرة... لكنها لم تخسر. انتظرت بهدوء حتى يتساقط الآخرون، ثم ستدخل كما اعتادت: عندما تحترق الطاولة ويحين وقت توقيع العقود.
الخاتمة: عندما تتحدث السماء... وتصمت التحالفات
ما جرى في سماء باكستان خلال أيام معدودة لم يكن مجرد اشتباك عسكري بين دولتين متنافستين، بل كان نقطة كشف استراتيجية لحدود القوة، ونفاق التحالفات، وهشاشة السلاح الغربي خارج بيئته الإعلامية المحمية.
طائرات فرنسية سقطت... ومسيرات إسرائيلية تبخرت... والهند دفعت الثمن وحدها.
في حين راقبت الصين بروية، وربحت نقاط تفوق بهدوء، بينما جلست أمريكا في الظل، تعدّ الفواتير، وتنتظر لحظة الدخول من باب العقود لا ساحات القتال.
فرنسا فهمت الآن أن صفقات السلاح لا تُضمن بالتصنيع فقط، بل بالحماية الإعلامية والاصطفاف السياسي. وإسرائيل أدركت أن التفوق التقني لا يمنع السقوط، لكن التحكم في الرواية هو السلاح الأذكى.
أما باكستان، فقد خاضت مواجهة غير متكافئة... لكن خرجت منها برصيد سياسي ومعنوي لا يُستهان به.
لأن في زمن الحروب الذكية، ليست الطائرات فقط ما يُسقط...
بل الأساطير، والتحالفات، والمواقف المتذبذبة.
في النهاية، تبقى الطائرات تُسقط بالصواريخ، لكن الدول... تُسقط بالصمت